ضغط أمريكي يدفع إسرائيل لقبول اتفاق سلام مع حماس وسط تحولات إقليمية متسارعة

الخطوات التي أقدم عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القبول باتفاق سلام مع حركة حماس جاءت دون شك تحت ضغط خارجي، وتحديدًا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
حملة القتل الوحشية التي شنها في غزة وهجماته على لبنان وإيران بهدف تدمير محور المقاومة، لم تحقق أهدافها المرجوة، بل أعادت إسرائيل بعد عامين من الحرب المدمرة إلى نقطة الصفر. فلم يكن إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين مقابل عدد قليل من الأسرى الإسرائيليين، واليأس من القضاء على المقاومة، من المكاسب التي يمكن التباهي بها.
نتنياهو يشبه الطفل المتمرد الذي يسبب المتاعب لوالديه من خلال جنونه المتكرر. فقد حمّل الولايات المتحدة تكاليف مالية ومعنوية كبيرة جراء سياساته خلال العامين الماضيين، الأمر الذي جعل ممارسة واشنطن للضغط على تل أبيب من أجل قبول اتفاق السلام أمرًا لا مفرّ منه.
يدرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جيدًا أن استمرار الحرب لن يزيد إلا من قوة محور المقاومة، وسيدفع طهران وموسكو وبكين إلى مزيد من التقارب، كما سيؤجج الرأي العام العالمي ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبالنسبة لترامب، الذي يواجه قضايا أهم بكثير، فإن استمرار أزمة فلسطين يعني الوقوع في مستنقع لا يخدم سوى نزعة نتنياهو إلى السلطة، دون أن يجلب أي مكاسب استراتيجية له.
في ذهن الرئيس الأمريكي، يُعدّ احتواء الصين وروسيا وإيران أهم بكثير من طموحات نتنياهو المفرطة في الساحة الفلسطينية.
كما يعتقد ترامب أنه من دون وجود مباشر في أفغانستان، لا يمكنه اتخاذ خطوات كبيرة في مواجهة القوى الثلاث السابقة.
يبدو أن الرئيس الأمريكي يسعى، من خلال ممارسة الضغط على إسرائيل للقبول بالسلام، إلى التخلص من همومه في غرب آسيا والتركيز على قضاياه الأكثر إلحاحًا.
وفي هذا الإطار، تبرز مؤشرات على تحرك واشنطن لإعادة بناء دورها وحضورها في أفغانستان عبر بوابة باكستان.
وقد تكون المداهنات الأخيرة لرئيس وزراء باكستان لترامب خلال مراسم توقيع الاتفاق بين حماس وإسرائيل جزءاً من هذا المسعى، وهي خطوة ربما بدأت خلال سلسلة زيارات عاصم منير، رئيس هيئة أركان الجيش الباكستاني، إلى واشنطن.
وعليه، فإن الاشتباكات الأخيرة بين طالبان وإسلام آباد لا يمكن اعتبارها حربًا حقيقية فقط، بل ربما تشكل جزءاً من عملية معقدة لتهيئة الأرضية لعودة تدريجية للولايات المتحدة إلى المنطقة، وهي عودة قد يتم تبريرها من خلال صنع أزمات سياسية.
بوجه عام، تدخل منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة من التنافس الجيوسياسي. ورغم أن حرب غزة كلفت إسرائيل الكثير، إلا أن آثارها تتجاوز حدود فلسطين، إذ أدت هذه التطورات إلى إعادة رسم موازين القوى في غرب آسيا، حيث يُعاد تعريف أدوار الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما في مواجهة محور المقاومة وشركائه الشرقيين.




