رأي شخصي في صراع طالبان وباكستان: لا انحياز ولا تعاطف

بعد التوتر والنزاع القائم بين حركة طالبان وباكستان، قد يتساءل البعض: ما هو موقفنا من هذا الصراع؟ هذا السؤال لا يتعلق بالمكانة الاجتماعية أو المستوى العلمي، ويمكن لأي شخص في أي موقع أن يسأل نفسه مثل هذا السؤال. وقد طرحتُ هذا السؤال على نفسي أيضاً: ما موقفي من التوتر بين طالبان وباكستان؟ أشارك النتيجة التي توصلتُ إليها مع أصدقائي، مع التأكيد على أن لكل شخص تفسيره ورؤيته الخاصة للأحداث.
منذ تأسيسها، اتبعت باكستان سياسة توظيف المشاعر الدينية للجماهير لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية داخل حدودها وخارجها. تأسيس وتدريب ودعم الحركات الدينية المتطرفة في داخل باكستان والمنطقة يُعَدّ جزءاً من هذه السياسات المستمرة على مدى 78 عاماً. لم تتشكل أي حركة دينية متطرفة في المنطقة إلا وكان لباكستان، خاصة لأجهزتها الأمنية والعسكرية، دور بارز فيها.
عند نشوء طالبان عام 1994، كان أثر باكستان واضحاً في دعم وتنظيم الحركة. ويرى بعض الخبراء أن طالبان أُنشئت من قبل باكستان، لكن الكاتب يعتبر أن طالبان لم تُخلق من قِبل باكستان بل نُظّمت ودُعمت من قبلها. الفرق هنا أن «الخلق» ينفي الجذور الاجتماعية والسياسية للحركة، بينما «الدعم» يعترف بها ويعززها. بناءً على هذا الفهم، فرغم أن طالبان نشأت من داخل المجتمع الأفغاني، لكن لولا الدعم الخارجي وخاصة الباكستاني لها، لما وصلت إلى ما هي عليه اليوم.
ولتحقيق أهدافها الاستراتيجية، قامت باكستان في تسعينيات القرن الماضي بدعم وتنظيم طالبان، واستخدمت نفس الخبرات التي كانت لديها في دعم الجماعات المتشددة في كشمير. منذ بدايات حركة طالبان، سواء في فترة حكمها الأولى أو خلال مقاومتها لحكومات ما بعد 2001، كانت تحظى بدعم باكستاني مباشر. الأجهزة الأمنية والعسكرية الباكستانية لم توفّر فقط ملاذاً آمناً لقادة طالبان وأعضائها، بل ساعدت أيضاً في تأسيس حركات دينية متحالفة معها مثل «تحريك طالبان باكستان» التي نشأت في المناطق القبلية ثم التحقت لاحقاً بطالبان الأفغانية.
رغم أن هذا الدعم حمّل باكستان تكاليف باهظة منذ البداية، فإن الجيش الباكستاني اعتبر أن المكاسب الاستراتيجية التي تحققها هذه الجماعات أهم من الخسائر. لكن هذا الوضع تغيّر منذ استيلاء طالبان على الحكم في كابل في أغسطس 2021. بعد تلك اللحظة، لم تعد طالبان الأفغانية بحاجة كبيرة للاعتماد على دعم الأجهزة الأمنية الباكستانية، وفي المقابل، استلهمت جماعة «تحريك طالبان باكستان» من انتصار طالبان وشعرت بأنها لم تعد بحاجة إلى التبعية لباكستان، فزاد تمردها. وهكذا تصاعدت الاشتباكات بين الجيش الباكستاني و«تحريك طالبان باكستان»، مما أدى إلى دخول طالبان الأفغانية، كحليف تقليدي، في هذه المواجهات.
يتبين من هذا أن التوتر بين طالبان والدولة الباكستانية لا يدور حول قضية وطنية أو إيديولوجية عليا، بل محوره الوحيد هو «تحريك طالبان باكستان». لولا هذه الجماعة، ولولا تمرّدها على جهاز الاستخبارات الباكستاني، لبقيت العلاقة بين طالبان الأفغانية وباكستان قوية كما كانت في السابق. بالتالي، هذا الخلاف ليس تعبيراً عن مصلحة وطنية أفغانية، بل صراع داخلي بين باكستان وأداة قديمة من أدواتها.
رغم كل ذلك، لا يوجد في المشهد الأفغاني اليوم جماعة قادرة على خدمة المصالح الباكستانية مثل طالبان، بفضل عمق الروابط الدينية والسياسية والاجتماعية بين الطرفين.
إذاً، أين أقف أنا، وأين يقف الشعب الأفغاني في هذا الصراع؟ الجواب: في لا مكان. لم يكن للشعب الأفغاني يدٌ في العلاقة التي ربطت طالبان بباكستان، ولا يجب أن نتحمل مسؤولية فتورها أو نهايتها. تلك العلاقة جلبت على أفغانستان الكثير من الدمار. كم من الأبرياء قُتلوا؟ كم منزل ومدرسة ومستشفى وطريق تعرض للتدمير جراء هذا الارتباط؟ طوال العقود الثلاثة الماضية، لم تُسفك قطرة دم في أفغانستان إلا ولباكستان ضلع فيها.
لذلك، لا أرى في هذا التوتر مسألة وطنية تستحق تعاطفاً عاطفياً أو قومياً. ومن جهة أخرى، لا أقف مع باكستان لسببين: أولاً، لأن باكستان دولة مارقة، وسلوكها العدائي حيال أفغانستان محفور في الذاكرة الجماعية لشعبنا؛ وثانياً، لأن التمنّي بتصاعد النزاع بين طالبان وباكستان هو تمنٍّ لمزيد من سفك الدماء والخراب في بيتنا المشترك، أي أفغانستان. صحيح أن طالبان سلبت شعبنا حقوقه، لكنها لا تزال جزءاً من نسيج هذا الوطن، ولا يجوز دعم دولة تسببت مراراً وتكراراً في دمار هذا البلد.
خلاصة موقفي أن الصراع بين طالبان وباكستان شأن داخلي بين دولة وتنظيم كانت هي من رعته سابقاً. أنا لا أرى فيه قضية وطنية ولا أساند باكستان، لأن أي تعاطف مع باكستان قد يعني المشاركة – ولو بالكلمة – في تدمير أفغانستان وسفك دماء بريئة.
محمد مرادي




