نظرة طالبان لإيران: جار لا مفر منه وليس شريكاً استراتيجياً

غياب حركة طالبان عن الاجتماع الذي استضافته إيران وتمحور حول قضايا أفغانستان، قد يبدو للوهلة الأولى قراراً إجرائياً أو خلافاً شكلياً، إلا أنه يحمل رسالة أعمق تتعلق بنظرة طالبان لإيران ومكانة طهران في المعادلات الإقليمية الخاصة بأفغانستان. هذا الغياب لا يُعد تجاهلاً بسيطاً، بل مؤشراً على حسابات واعية: طالبان لا ترغب بأن تتحول إيران إلى “القناة الرئيسية للتفاعل الإقليمي” بشأن أفغانستان، ما من شأنه أن يعزز الوزن السياسي لطهران في القضية الأفغانية.
منذ عودتها إلى سدة الحكم، تبني طالبان سياستها الخارجية على علاقات مرنة وتكتيكية وقابلة للضبط، وليس على تحالفات دائمة. في هذا السياق، تعتبر طالبان أن إيران جار لا مفر منه، لكنها ليست شريكاً استراتيجياً.
من منظور طالبان، فإن تحول إيران إلى لاعب محوري في التفاعلات الإقليمية بشأن أفغانستان قد يجر تبعات غير مرغوبة؛ لأن ذلك يعني تعزيز دور طرف ذي أجندة واضحة، يواجه منافسة إقليمية وضغوطاً دولية ناجمة عن العقوبات. وتعي طالبان جيداً أن الاقتراب المفرط من إيران قد يثير حفيظة لاعبين أساسيين آخرين، كالباكستان التي لا تزال قناة نفوذ سياسي وأمني رئيسية لطالبان، والدول العربية، وحتى الصين ذات المصالح الاقتصادية والاستثمارية المهمة.
من جهة أخرى، تسعى طالبان إلى تقديم صورة عن استقلالها السياسي، وهو عنصر أساسي في سرديتها للشرعية على الصعيدين الداخلي والإقليمي. قبول إيران كلاعب محوري في التفاعل الإقليمي يُفهم كقبول ضمني بالدور الإيراني في السياسة الخارجية، وهو أمر يتناقض مع خطاب طالبان حول “السيادة المستقلة وغير المنحازة”. ولذا، تفضل الحركة تنويع قنوات تفاعلها الإقليمي، وعدم السماح لأي طرف – حتى إيران الجارة المهمة – بأن يصبح البوابة الرئيسية للحوار بشأن أفغانستان.
كما يمكن فهم تفضيل طالبان لمحاور أخرى ضمن السياق نفسه. فباكستان شريكها التاريخي والأمني، وقطر تلعب دور الوسيط السياسي والدبلوماسي، بينما توفر الصين فرصاً اقتصادية واستثمارية دون الدخول في اعتبارات أيديولوجية أو حقوقية. مقارنة بهذه البدائل، لا تتمتع إيران بالقدرة على ضمان الشرعية الدولية لطالبان، ولا بالقوة الاقتصادية التي تخولها لعب دور الراعي الأساسي. بل على العكس، يرافق العلاقة مع إيران مجموعة مطالب وحساسيات تفضل طالبان إبقاءها عند أدنى مستوياتها.
غياب طالبان عن اجتماع طهران يُعد في هذا السياق بمثابة “لا” دبلوماسية ناعمة لمحاولات إيران تعزيز حضورها في الملف الأفغاني. هذا السلوك يظهر رغبة طالبان بالاحتفاظ بزمام المبادرة السياسية وعدم السماح للأطراف الأخرى بتحديد شكل العلاقة مع أفغانستان. ومع ذلك، لا يعني هذا السلوك القطيعة أو المواجهة العلنية مع إيران، بل يشير إلى نوع من المسافة المحسوبة التي تُبقي العلاقة قائمة دون أن تتحول إلى تحالف استراتيجي.
في الخلاصة، يمكن النظر إلى علاقة إيران وطالبان ضمن المنطقة الرمادية بين التعاون وانعدام الثقة. إذ تحتاج طالبان إلى إيران، لكن ليس كشريك استراتيجي. في المقابل، تحتاج إيران إلى استقرار أفغانستان والتواصل مع حكامها، لكنها تواجه قيوداً كبيرة. وإلى أن تتغير هذه المعادلة، فإن سلوكيات مثل غياب طالبان عن الاجتماعات الإقليمية المهمة برعاية إيران ستتكرر؛ سلوك يعكس منطق طالبان البارد والحذر في إدارة سياستها الخارجية، أكثر منه مؤشراً على أزمة.




