باكستان وطالبان.. شركاء في مشروع أمريكي لزعزعة أمن المنطقة

الادعاء بأن باكستان متورطة في مشروع لزعزعة الأمن في المنطقة هو أمر صحيح، ولكن إسلام آباد تلعب دور المقاول التنفيذي لهذا المشروع وليست صاحبة التصميم. فالظروف السياسية والاقتصادية في باكستان لا تؤهلها لتصميم وتنفيذ مشروع بهذا الحجم.
طالبان هي المقاول الآخر في هذا المشروع، وتؤدي دوراً تكميلياً ضمن سيناريو أوسع لتغيير موازين القوى في الشرق في مواجهة الولايات المتحدة.
تشير الأدلة إلى أن واشنطن تسعى من خلال نشر الفوضى وعدم الاستقرار في هذه الجغرافيا عبر أدوار تلعبها باكستان وطالبان إلى تحقيق هدفين محددين:
أولاً، قطع الطريق على منافسيها الجيوسياسيين – وخصوصاً الصين وروسيا وإيران – من الوصول إلى الموارد المحتملة في المنطقة، وتعطيل مشاريعهم الاستثمارية.
ثانياً، توفير ذريعة لتدخلات أمريكية جديدة في شؤون المنطقة تحت غطاء “مكافحة الإرهاب” أو “الحفاظ على الاستقرار”.
في هذا السياق، عملت الولايات المتحدة على بناء ثنائية زائفة بين طالبان وباكستان. هذه الثنائية تبدو في ظاهرها نزاعاً سياسياً وحدودياً، لكنها في الواقع تهدف إلى خلق الفوضى وتحميل كلفة ذلك لمنافسي واشنطن في المنطقة.
بعبارة أخرى، تسعى أمريكا لإقناع دول المنطقة بأن طالبان يمكن أن تكون قوة رادعة تمنع انتقال الفوضى إلى الحدود الشرقية لإيران وآسيا الوسطى، وأنها تستحق الدعم لهذا السبب.
هذا الفخ قد يدفع بعض دول المنطقة إلى الاعتراف بطالبان (وبالتالي يمنح شرعية لمزاعم دعمهم للإرهاب). ومثلما اعترفت موسكو بطالبان بهدف إنشاء حزام أمني ضد تصدير الفوضى من أفغانستان، تظهر مؤشرات على توجّه مشابه في طهران.
زيارة كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الإيراني، إلى كابول مؤخراً تأتي ضمن هذا الإطار. كما تحدثت تقارير عن نية وزارة الخارجية الإيرانية إعادة تعيين نائب سابق لسفارتها في كابول ليشغل المنصب من جديد، على أمل أن تساهم علاقته الجيدة مع طالبان في منع انتقال الفوضى إلى داخل إيران.
لكن، هل من الصحيح الاعتقاد بأن طالبان قادرة على منع تصدير الفوضى إلى إيران وآسيا الوسطى؟ قطعاً لا.
أنصار التفاعل مع طالبان في طهران وموسكو يستندون إلى عدد من الفرضيات الخاطئة، منها أن الصراع بين طالبان وباكستان حقيقي، وأن طالبان تعادي الولايات المتحدة، وأنها منفصلة عن الجماعات السلفية المتشددة.
لكن الواقع يشير إلى أن طالبان نشأت في بيئة سياسية واستخباراتية باكستانية ولا تزال ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإسلام آباد. من الصعب تصور أن تفك طالبان هذا الارتباط لتقيم مستقبلاً علاقات استراتيجية ودية مع إيران أو روسيا.
هناك نقطتان يتعمد أنصار طالبان تجاهلهما في تحليلاتهم:
أولاً، الجماعات المسلحة السلفية الانفصالية الإيرانية وتلك القادمة من آسيا الوسطى قابعة ضمن المناطق التي تسيطر عليها طالبان، وتخضع لها، وبالتالي فإن طالبان هي المصدر الأساسي الذي يمكن أن يصدر هذه الفوضى؛ لا جهة أخرى.
ثانياً، سواء كانت مشاركة طالبان في المشروع الأمريكي لزعزعة الأمن عن وعي أو بغير وعي، يبقى السؤال الأساسي: ماذا يمكن أن نتوقع من مجموعة وُلدت من رحم الجهاز الاستخباراتي الباكستاني وها هي اليوم تتحدى ذلك الجهاز؟ كيف ستتصرف في أية مواجهة مستقبلية مع إيران أو روسيا؟
الواقع أن المنطقة تدخل مرحلة جديدة من إعادة ترتيب المعادلات الأمنية والجيوسياسية، بتصميم أمريكي يهدف إلى تقويض نفوذ منافسيها الإقليميين. اللاعبان الرئيسيان في هذا السيناريو هما باكستان وطالبان.
باتت دول المنطقة مضطرة لاتخاذ قرار صعب: إما الثقة بطالبان وتسليم أمنها لمجموعة لا تتمتع بسجل إيجابي في الالتزام والصدق، أو التخلّي عن رهاناتها طويلة الأمد على طالبان، وتصحيح مسار العلاقات معها، والاعتماد على تعاون إقليمي مستقل لضمان أمن المنطقة.
من الواضح اليوم أن أي تفاعل مع طالبان أو محاولة للاعتراف بها يعني عملياً الدخول في اللعبة التي صممتها الولايات المتحدة.




