أهم الأخبارالخبر الرئيسيتقارير

مفاوضات أفغانستان وباكستان في السعودية: هدنة هشة وسلام بعيد المنال

دخلت العلاقات المتوترة بين أفغانستان، الخاضعة لحكم طالبان، وباكستان مرحلة جديدة بعد عام من التصعيد، مع انطلاق جولة مفاوضات جديدة بين الطرفين في السعودية. ورغم التوقعات بتحقيق تقدم ملموس، فإن المحادثات لم تخرج باتفاق نهائي، سوى تأكيد استمرار الهدنة الهشة على طول الحدود بين البلدين.

لكن الخلافات القديمة أطلّت برأسها مجددًا في جلسات الحوار في الرياض؛ إذ لا تزال إسلام آباد تتهم كابول بإيواء جماعات مسلحة من أبرزها “تحريك طالبان باكستان” (TTP). في المقابل، ترفض طالبان هذه الاتهامات وتؤكد أنها غير مسؤولة عن الأمن الداخلي الباكستاني.

في ظل ذلك، تواجه آلاف العائلات الأفغانية اللاجئة في باكستان موجة جديدة من الاعتقالات والطرد، حيث حذرت الأمم المتحدة من أن ملايين الأفغان معرضون للعودة القسرية إلى بلد يعاني أصلاً من أزمة إنسانية وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

وجاءت الجولة الأخيرة من المفاوضات في السعودية ضمن سلسلة جهود دبلوماسية انطلقت سابقًا في كل من الدوحة وإسطنبول. وبعد الاشتباكات الحدودية الدامية في أكتوبر 2025، والتي خلّفت عشرات القتلى ووصفت بأنها الأعنف منذ سيطرة طالبان على الحكم في 2021، جرى التوصل إلى هدنة بوساطة قطرية وتركية.

إلا أن المحاولات لتحويل تلك الهدنة إلى اتفاق دائم في إسطنبول باءت بالفشل، لتنضم الرياض لاحقًا إلى قائمة الوسطاء. غير أن هذا الدور السعودي الجديد لم يُفضِ أيضًا إلى أي اتفاق سياسي، باستثناء موافقة الطرفين على استمرار الهدنة المؤقتة.

الاشتباكات التي اندلعت في أكتوبر 2025 على الشريط الحدودي، دفعت باكستان إلى تنفيذ هجمات ضد مواقع قالت إنها تابعة لطالبان داخل الأراضي الأفغانية، متهمة هذه المواقع بأنها مراكز تدريب لمقاتلي TTP. في حين اعتبرت طالبان هذه الخطوات انتهاكًا لسيادة أفغانستان.

وانصب التركيز مجددًا على جماعة TTP، التي تخوض تمردًا مسلحًا ضد الدولة الباكستانية منذ 2007. وتشير تقارير باكستانية إلى مقتل أكثر من 2000 شخص جراء الهجمات المسلحة في بداية عام 2025، ما يجعله أحد أكثر الأعوام دموية خلال العقد الأخير.

وتتهم باكستان القيادة والمقاتلين التابعين لـTTP باستخدام الأراضي الأفغانية كمنصة لتنفيذ الهجمات، وهو ما تنفيه طالبان. وتؤكد أنهم لن يسمحوا باستخدام أفغانستان كمنطلق لاستهداف أي دولة.

في هذا السياق، تحذر طالبان من أن الضغط المفرط عليها لقمع TTP قد يؤدي إلى انقسامات داخل صفوف الحركة، وانشقاقات لصالح جماعات أكثر تطرفًا كفرع “خراسان” التابع لتنظيم داعش، وهي رؤية يتفق معها بعض المحللين الأمنيين.

تشكل الدوحة، وإسطنبول، والرياض المحاور الثلاثة الأساسية في مسار الوساطة الحالي بين كابول وإسلام آباد. ففي قطر، تم الاتفاق على وقف فوري لإطلاق النار بحضور وزيري دفاع البلدين وسط إشادة عربية وإقليمية. بينما باءت مفاوضات إسطنبول بالفشل رغم تأكيد طالبان على احترام الهدنة ما لم تُشن هجمات من أراضيها. أما جولة الرياض، فقد أعادت تكرار الخلافات، لا سيما حول مطالبة باكستان بتعهد مكتوب من كابول بعدم دعم الجماعات المسلحة.

تستمر الهدنة الحالية بفضل ضغوط إقليمية وخوف مشترك من اندلاع حرب أوسع، لا تملك أي من العاصمتين القدرة على تحملها؛ إذ تواجه باكستان تدهورًا اقتصاديًا، في حين ترزح طالبان تحت وطأة العقوبات والعزلة الدولية.

الفئة الأكثر تضررًا من هذه التوترات تظل اللاجئين الأفغان، الذين أصبحوا هدفًا لحملات الطرد الباكستانية المتواصلة منذ 2023. فبينما تدور المحادثات بين كبار المسؤولين في فنادق فاخرة، يعيش نحو 1.17 مليون لاجئ أفغاني واقع العودة القسرية، حسب بيانات المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين. كثيرون منهم يواجهون خطرًا حقيقيًا على حياتهم، خاصة النساء والفتيات.

في أغسطس 2025، حذّر كبار خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة من خطة باكستان لطرد ملايين الأفغان، حتى من يحملون بطاقات لاجئ رسمية. وأكدوا أن مبدأ “عدم الإعادة القسرية” هو التزام غير قابل للتفاوض في القانون الدولي.

قامت منظمات مثل العفو الدولية بتوثيق شهادات مؤلمة عن نحو 844 ألف لاجئ أُجبروا على العودة بين سبتمبر 2023 وفبراير 2025، كثيرون منهم فقدوا سُبل عيشهم وتعليم بناتهم بعدما عاشوا لسنوات طويلة في باكستان.

دور الوسطاء الإقليميين يتزايد؛ من الهند التي وسعت تواصلها مع طالبان وأثارت مخاوف باكستان، إلى قطر وتركيا اللتين أثبتتا حضورهما الدائم في ملف الوساطة، وصولًا إلى السعودية التي دخلت على خط الأزمة برسائل دعم واضحة للاستقرار في المنطقة.

كل هذه العوامل حولت الحدود بين أفغانستان وباكستان إلى ساحة لتقاطع السياسات الأمنية والدبلوماسية الإقليمية، وسط سيناريوهات مستقبلية مفتوحة:

– استمرار هدنة هشة من دون اتفاق سياسي دائم.
– تصعيد العنف ببطء، مع استمرار الهجمات والردود.
– اتفاق طويل الأمد تحت ضغط الأطراف الإقليمية والدولية.

الخلاصة: لا تزال الطريق إلى سلام مستدام بين كابول وإسلام آباد طويلة ومعقدة، ولا يمكن اختزالها في تفاهمات أمنية فقط. إذ يبقى سلام الشعوب، وخاصة اللاجئين والنساء وسكان المناطق الحدودية، هو المعيار الحقيقي لنجاح أي مفاوضات مستقبلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى