آراء

حزب الله أمام خيارات مستحيلة بعد اغتيال قائده: لا تسوية ولا حرب شاملة

دخل حزب الله اللبناني مرحلة تُعد من أعقد وأشد الفترات المأساوية في تاريخه، وذلك عقب اغتيال قائده العسكري البارز، هيثم علي طباطبائي.

ويواجه الحزب حالياً ضغوطاً متزامنة من إسرائيل والحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي، تضعه في موقف مزدوج لا يسمح له بالتراجع الكامل ولا يتيح له الانخراط في حرب شاملة دون تحمل تكاليف باهظة.

تحاول إسرائيل، عبر سلسلة هجمات أخيرة استهدفت طباطبائي وقادة كبار آخرين، ضرب مركز القيادة والسيطرة العملياتية لحزب الله، في محاولة لإجباره على التراجع عن دوره العسكري خارج إطار الدولة اللبنانية. لكن البنية التنظيمية المعقدة للحزب، التي نشأت ضمن شبكة أمنية – عسكرية واسعة، لا تعتمد على قائد أو مجموعة محددة، ما يجعل فقدان شخصيات بارزة ضربة قوية، لكنها لا تعني انهيار الحزب القادر على تعويض وخلافة قياداته وإعادة تشكيل خطوطه بسرعة. رغم ذلك، تقلّص هذه الضربات مدى تحركه وترفع من مخاطره.

في الداخل اللبناني، تضغط الحكومة نحو نزع سلاح الحزب وتحصر السلطة العسكرية بيد الجيش، لكن قدرات الجيش اللوجستية والمالية لا تمكنه من تنفيذ خطوة كهذه بالقوة. حتى الحكومات اللبنانية التي عارضت حزب الله لم تجرؤ على مواجهته مباشرة، خوفاً من تفجر صراع داخلي جديد. الحزب يدرك جيداً أن موقف الحكومة سببه الضغوط الخارجية وليس قراراً سيادياً حقيقياً.

المعضلة الكبرى أن حزب الله بلا سلاح يفقد جوهر وجوده. فشرعيته السياسية والاجتماعية مستمدة من عقيدته القائمة على “المقاومة”، والتخلي عن السلاح ليس تراجعاً تكتيكياً، بل نهاية حتمية لدوره. ولا يمكن تخيل تقبّله بذلك إلا إذا أتى ضمن صفقة إقليمية كبرى، تتضمن تغييرات جذرية في جنوب لبنان أو تنازلات استراتيجية من إسرائيل، وهي احتمالات بعيدة التحقيق حالياً.

ومع ذلك، لا يقف حزب الله في موقع يؤهله لخوض حرب شاملة جديدة ضد إسرائيل. فرغم أن مثل هذه الحرب قد تعزز موقعه الأيديولوجي، إلا أن تكاليفها ستكون مدمرة للبنان ولبيئته الحاضنة. فالمجتمع الشيعي اللبناني لم يعد كما في عام 2006؛ الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي والإحباط العام قلّصت بشكل كبير من تقبل الحرب. حزب الله يدرك تماماً هذه المعطيات، ولذلك فإن الانزلاق إلى حرب كبرى سيكون أشبه بالفخ.

السيناريو الأكثر احتمالاً هو استمرار حالة “حرب منخفضة الحدة ومضبوطة”؛ أي ردود محدودة، وضربات محسوبة، ومحاولة الحفاظ على الردع دون تخطي عتبة الحرب الشاملة. هذا النمط لا يُرضي إسرائيل ولا الحكومة اللبنانية، لكنه حالياً الخيار الوحيد الذي يضمن بقاء البنية العسكرية لحزب الله ويحول دون انفجار واسع.

باختصار، حزب الله يعيش مأزقاً تراجيدياً تحاصره الضغوط من الداخل والخارج، دون أن تفرض عليه خيار الاستسلام، وفي الوقت نفسه لا يملك مفراً أفضل من الاستمرار في الوضع الهش القائم. لا يخضع، لا يخوض حرباً شاملة، ولا يستطيع العودة إلى الوراء دون ثمن. هو الآن في نفق دقيق، يتطلب حساب كل خطوة، فزلّة واحدة قد تجر لبنان إلى فوضى غير محسوبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى