آراء

لماذا بقيت بكين خالية الوفاض؟


تجاهل طالبان لدعوة الصين الأخيرة للملا يعقوب لزيارة ذلك البلد هو إشارة إلى أن جزءاً كبيراً من طالبان قرر أن يقف في التطورات الإقليمية المقبلة إلى جانب الولايات المتحدة أكثر من الاعتماد على الصين.

منذ عقود، كانت أفغانستان ساحة لقياس قوة القوى العالمية. في القرن العشرين، كانت أفغانستان مسرحاً للمنافسة الدموية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، والآن لدى الصين والولايات المتحدة نية مماثلة.

روسيا، رغم أنها تحاول أن تُظهر نفسها كلاعب نشط في قضايا أفغانستان، إلا أنها أكثر متفرجاً من كونها لاعباً. الروس، في سوريا أيضاً، تخلوا عن جميع قدراتهم وسلموا هذا البلد، على الرغم من أهميته الكبيرة، إلى وكلاء الولايات المتحدة. ومن المرجح أن الروس، نظراً لما يحدث في أوكرانيا، قد تخلوا عن سوريا من موقع سلبي وأصبحوا مجرد متفرجين بالنسبة لأفغانستان.

في المقابل، تسعى الصين، بوصفها المنافس الرئيسي للولايات المتحدة، إلى ترسيخ نفوذها في المنطقة. فبكين، باستثمارات بمليارات الدولارات في باكستان وبطموحها نحو الموارد الهائلة لأفغانستان وموقعها الاستراتيجي في مشروع “حزام واحد، طريق واحد”، ترغب في منع الوجود الأمريكي في هذه المنطقة.

دعوة الصين لقادة طالبان من أجل الحوار حول عودة القوات الأمريكية إلى قاعدة باغرام الجوية هي خطوة في اتجاه جعل قرارات أمريكا للمنطقة أكثر تكلفة.

ومع ذلك، فقد أظهرت تجربة العقود الماضية أن أياً من القوى الأجنبية لم تخطُ خطوة نحو تنمية وازدهار أفغانستان، وأن مزاعم الاستثمار في المشاريع الاقتصادية الأفغانية لم تكن سوى أكاذيب كبرى لتبرير عدوانهم على أفغانستان.

ولهذا السبب بالذات، بقيت أفغانستان النائمة على أغلى الموارد الطبيعية محرومة دائماً من البنى التحتية الأساسية، وبقي الشعب غير قادر على الاستفادة من ثروته الممنوحة من الله.

رغم أنه خلال حكم الجمهورية، دخلت مليارات الدولارات إلى أفغانستان، إلا أن الولايات المتحدة لم تكن لديها نية لتطوير أفغانستان، فلم يتم اتخاذ أي خطوات كبيرة لصالح الشعب الأفغاني. وفي النهاية، كان تسليم السلطة إلى طالبان من قبل الولايات المتحدة جزءاً من لعبتها للحفاظ على هيمنتها على أفغانستان.

في أفغانستان الخاضعة لحكم طالبان، الدولة التي كانت محل تدخل جميع الجيران والقوى الأجنبية، تحولت إلى جنة لتحقيق مصالح الولايات المتحدة بأقل تكلفة. أما الدول المنافسة لأمريكا، فعلى الرغم من إنفاقها على طالبان، بقيت أيديها خالية من أي مكاسب.

حتى الصين، التي كانت تتوقع أن يقف طالبان معها مقابل وعود ضخمة، أدركت في مسألة عودة القوات الأمريكية إلى باغرام أن هذه الجماعة جزء من لعبة الولايات المتحدة في المنطقة، ولن تدخل أبداً في تفاعل استراتيجي مع منافسي أمريكا.

على أي حال، فإن الخلاصة واضحة: كما أن عشرين عاماً من الجمهورية تحت الاحتلال الأمريكي لم تجلب شيئاً لأفغانستان وشعبها، فإن تبعية السلطات للقوى الأجنبية – سواء كانت الصين أو أمريكا أو أي بلد آخر – لن تحمل أي مكسب للأمة.

فقط عندما تتشكل حكومة مركزية شاملة تنبثق من الإرادة الحقيقية للشعب الأفغاني – حكومة ليست نتاج تصميم خارج أفغانستان وفرضها على الشعب – يمكن أن يكون هناك أمل بخروج أفغانستان من دائرة المنافسات المستنزفة للقوى.

سيد أحمد موسوي مبلغ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى