آراء

باغرام: الاختبار الكبير لطالبان بين الشرعية والبقاء

على مدى عقدين، كانت قاعدة باغرام رمزاً لوجود الولايات المتحدة العسكري في أفغانستان؛ فهي لم تكن فقط أكبر وأحدث مركز لوجستي وعملياتي لأمريكا في المنطقة، بل كانت أيضاً نقطة أساسية للتحكم الجوي والاستخباراتي وحتى للاعتقالات الأمنية.

انسحاب الولايات المتحدة المتعجل من باغرام عام 2021 مثّل نهاية حقبة وبداية عودة طالبان إلى الحكم. غير أن عودة واشنطن اليوم إلى باغرام – ولو بشكل محدود ومختلف عن الماضي – أثارت تساؤلات جديدة حول مستقبل أفغانستان والمنطقة.

طالبان ومعضلة باغرام
السؤال الجوهري هو: كيف يمكن لطالبان، التي ترى نفسها اليوم الحاكم المطلق لأفغانستان، أن تتعامل مع هذه العودة؟
لقد وضعت باغرام طالبان في مأزق تاريخي يكشف تناقضات سلطتها.

من جهة، تمثل باغرام لطالبان رمز الاحتلال والإذلال الوطني. فقد قدّموا الدماء لسنوات كي يثبتوا أنهم حرروا أفغانستان من الأجانب. وأي صمت أو قبول ضمني بعودة أمريكا إلى هذه القاعدة يضعف شرعيتهم الأيديولوجية في نظر أنصارهم.

ومن جهة أخرى، تحتاج طالبان بشدة إلى العلاقات الخارجية والمساعدات الدولية. فاقتصاد أفغانستان في السنوات الثلاث الماضية اعتمد على الدعم المالي المباشر وغير المباشر من الولايات المتحدة، ولا تزال الضغوط السياسية العالمية على طالبان لتغيير سياساتها الداخلية والإقليمية قائمة. في مثل هذه الظروف، فإن مواجهة عسكرية علنية مع أمريكا لن تجلب سوى تكاليف باهظة وقد تدفع طالبان أكثر فأكثر نحو عزلة قاتلة. طالبان تدرك أن البقاء يتطلب شكلاً من أشكال التفاعل مع العالم، حتى وإن كان مليئاً بالتناقضات.

لهذا السبب، تحولت مواجهة طالبان مع عودة أمريكا إلى باغرام إلى لغز معقد: لا المعارضة الجدية ممكنة ولا الموافقة العلنية. وقد تضطر طالبان إلى تبني سياسة مزدوجة: معارضة لفظية ورمزية لحفظ ماء الوجه داخلياً، مع التسامح العملي مع وجود أمريكا لتجنب العزلة الدولية.

بعبارة أخرى، لم تعد باغرام مجرد قاعدة استراتيجية لأمريكا، بل صارت مرآة لطالبان تكشف تناقضاتهم الداخلية؛ وأي رد فعل منهم سيعرض جزءاً من كيانهم السياسي للخطر. ولعل هذا التناقض الخفي سيرسم مستقبل أفغانستان أكثر من أي عامل آخر.

معادلة باغرام الصعبة للجيران
إن عودة أمريكا إلى باغرام ليست اختباراً حاسماً لطالبان فحسب، بل جعلت أنظار اللاعبين الإقليميين تتجه نحو أفغانستان أيضاً.

إيران هي الأكثر قلقاً، إذ إن عودة الوجود الأمريكي على حدودها الشرقية تعيد إلى الأذهان الطوق الجيوسياسي وتهديداً مباشراً لأمنها القومي. قد تُظهر طهران ردها عبر عدة مسارات، منها دعم خفي للتيارات المعارضة لطالبان، من أجل منع تثبيت الوجود الأمريكي.

وفي المقابل، فإن قوى مثل باكستان والصين وروسيا لديها هي الأخرى حساسيات خاصة.

وعليه، لم تعد باغرام مجرد قاعدة عسكرية، بل صارت نقطة تعيد مرة أخرى منافسة القوى الإقليمية والعالمية على مصير أفغانستان.

✍️ سيد مصطفى موسوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى