الخبر الرئيسيتقارير

مستقبل غامض لتعليم البنات في أفغانستان: جيل محاصر خلف الأبواب المغلقة

أكثر من ثلاث سنوات مرت على فرض القيود التعليمية على الفتيات في أفغانستان؛ قيود بدأت في ٣ أبريل ٢٠٢٢ بإغلاق المدارس الثانوية والعليا، وتوسعت في ديسمبر من العام ذاته لتشمل حظر التعليم الجامعي للفتيات. اليوم، تخسر ملايين الفتيات الأفغانيات بصمت فرصة مستقبل يُعد أبسط حقوق الإنسان في نظر العالم. لكن ما هي تداعيات هذا الحظر؟ ماذا يقول المجتمع الدولي؟ وما هو مصير هذا الجيل؟

أفغانستان: الدولة الوحيدة في العالم التي تحظر تعليم الفتيات رسميًا

بعد استيلاء طالبان على الحكم في أغسطس ٢٠٢١، وعدت الحركة بإعادة فتح المدارس للفتيات بعد “توفير إطار إسلامي مناسب”. لكن في ٢٣ مارس ٢٠٢٢، ومع اقتراب موعد افتتاح المدارس، أصدرت طالبان قرارًا مفاجئًا بإلغائه.

ووفقًا لتقرير اليونسكو لعام ٢٠٢٣، حُرمت نحو ١.١ مليون فتاة من التعليم في المرحلتين الثانوية والعليا.

وفي ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٢، أصدرت وزارة التعليم العالي التابعة لطالبان تعميمًا رسميًا أعلنت فيه حظر التعليم الجامعي للفتيات “حتى إشعار آخر”.

هذه القرارات جعلت من أفغانستان الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض حظرًا شاملًا على تعليم النساء.

التداعيات الاجتماعية والاقتصادية: من فقر متوارث إلى تلاشي الكفاءات

أثبتت تجارب العديد من الدول أن منع النساء من التعليم يشكل عواقب تمتد لعقود. وقد حذرت منظمات دولية مرارًا من أن حظر تعليم الفتيات في أفغانستان يؤدي إلى:

١. دوامة الفقر والتبعية

بحسب تقرير البنك الدولي لعام ٢٠٢٣، بلغت نسبة مشاركة النساء الاقتصادية في أفغانستان نحو ١٦٪ قبل سقوط الحكومة. ومن المتوقع أن تتراجع هذه النسبة أكثر بسبب القيود التعليمية، ما يحرم نصف المجتمع من فرصة كسر سلسلة الفقر البنيوي.

٢. نقص الكفاءات النسائية مستقبلاً

لعبت الطبيبات والمعلمات والممرضات الأفغانيات دورًا أساسيًا في دورة الخدمات العامة. ومع تقاعد الجيل الحالي أو هجرته دون وجود بدائل، قد تواجه البلاد أزمة حادة في نقص الكفاءات النسائية.

٣. الآثار النفسية والاجتماعية

أشار تقرير منظمة اليونيسف لعام ٢٠٢٢ إلى أن الحرمان من التعليم يؤدي مباشرة إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب، والعزلة الاجتماعية، والزواج القسري. وقد تجد العائلات التي فقدت الأمل بإعادة فتح المدارس نفسها مضطرة لتزويج فتياتها مبكرًا.

محاولات خفية وظاهرة لمواصلة التعليم: من الصفوف السرية إلى التعليم الإلكتروني

رغم القيود المشددة، تتواصل الجهود لمتابعة التعليم بصيغ بديلة:

١. الصفوف السرية في المنازل

في مدن كابل، هرات، مزار شريف وبلخ، ينظم معلمون ومعلمات صفوفًا خاصة أو نصف سرية داخل المنازل. وتُقام هذه الصفوف دون دعم رسمي وغالبًا ما تواجه خطر الإغلاق أو الاعتقال.

٢. التعليم الإلكتروني: خيار محدود لكنه متنامي

رغم ضعف الإنترنت وارتفاع كلفة البيانات، شكلت المنصات الإلكترونية مثل “الدورات المصورة”، و”Google Meet”، وشبكات التعليم الدولية خيارًا نادرًا للفتيات. إلا أن ضعف وصول الأسر إلى الهواتف الذكية أو الحواسيب يمثل تحديًا كبيرًا.

٣. جهود المنظمات الدولية

بدأت اليونسكو في عام ٢٠٢٣ برنامجًا لمساندة الفتيات المحرومات من الدراسة يشمل:
– رزم تعليم أساسية،
– دورات لتعليم المهارات،
– دعم للبرامج الإلكترونية.

لكن هذه المبادرات لا تُعد بديلًا للتعليم النظامي طويل الأمد.

موقف طالبان: “تأجيل”، “إصلاح” أم “حظر دائم”؟

خلال السنوات الثلاث الماضية، أصدرت طالبان مواقف متباينة:

– أعلن ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم الحركة، عدة مرات أن القيود “مؤقتة” وستستمر حتى يتم توفير “بيئة شرعية وثقافية مناسبة”.

– قال الشيخ حبيب الرحمن حقاني، رئيس مجلس التعليم في طالبان، عام ٢٠٢٣ إن “تغيير المناهج” ضرورة، ويجب أن تتوافق المناهج مع “القيم الإسلامية”.

– في حين صرح عدد من القادة المحليين صراحة بأن تعليم الفتيات “ليس من المصلحة”.

هذا التباين يكشف عن غياب التوافق الداخلي لدى طالبان حول مستقبل تعليم الفتيات، مما يصعّب التخطيط للمستقبل.

رد فعل المجتمع الدولي: تنديد واسع دون أدوات ضغط فعّالة

طالبت منظمات دولية مثل الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، منظمة التعاون الإسلامي، وعدد من الحكومات مرارًا بإلغاء القيود التعليمية.

ووصف أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، القرار في عام ٢٠٢٣ بأنه “انتهاك غير مسبوق لحقوق النساء في القرن الحادي والعشرين”.

ورغم مطالبة الأمم المتحدة بإعادة الفتيات فورًا إلى المقاعد الدراسية، لم يتم تبني أية إجراءات ملزمة أو تفاهمات فعالة لتغيير سياسة طالبان.

كما اختارت دول الجوار، رغم الانتقادات العلنية، مواقف أكثر حذرًا مراعاة لاعتبارات أمنية واقتصادية.

المستقبل: هل هناك أمل بإعادة فتح المدارس؟

رغم خيبة الأمل الواسعة، تظهر مؤشرات قليلة على احتمال حدوث تغيير:

١. الضغوط الداخلية

يعتقد كثيرون داخل أفغانستان، من علماء الدين والنشطاء وأصحاب الأعمال، بل وحتى بعض عناصر طالبان، أن استمرار إغلاق المدارس يُعد “ضررًا استراتيجيًا”. وقد صدرت في ٢٠٢٢ و٢٠٢٣ عدة رسائل مفتوحة من علماء دين في ولايات مختلفة تطالب بإعادة فتح المدارس.

٢. الضغوط الخارجية

تسعى أفغانستان للحصول على مساعدات إنسانية وتفاعل اقتصادي مع العالم، ما يجبرها على إعطاء ردود للمجتمع الدولي. كما تلعب دول مثل قطر وأوزبكستان وإندونيسيا دور الوسيط في مفاوضات حقوق النساء.

٣. السيناريوهات المتوقعة

يرجح محللون دوليون ثلاثة سيناريوهات:

– إعادة فتح محدودة وتحت إشراف – مثل إنشاء مدارس للبنات بشروط صارمة.
– إعادة فتح تدريجية مشروطة – مع تعديل المناهج والفصل التام بين الجنسين.
– استمرار الوضع الحالي – مع استمرار الانقسام الداخلي وغياب الضغوط الخارجية الفعالة.

ويُعد السيناريو الثاني حاليًا الأكثر ترجيحًا.

خاتمة: جيل رهينة للسياسة

لا يمثل حظر تعليم الفتيات في أفغانستان حرمانًا من حق أساسي لملايين الأطفال والمراهقين فحسب، بل يعرّض مستقبل البلاد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للخطر. فالتعليم ركيزة التنمية، وأي دولة تحرم نصف سكانها من هذه الركيزة مصيرها التراجع طويل الأمد.

إن مصير تعليم الفتيات في أفغانستان اختبار للعالم بأسره، وعليه أن يقرر: هل يكتفي بمراقبة أكبر حالة حرمان تعليمي في القرن الحادي والعشرين، أم يسعى جديًا لإحداث تغيير؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى