تعريف جديد لدور باكستان في معادلة طالبان

في الهجوم الجوي الأخير الذي شنته باكستان على أربع نقاط في أفغانستان، منها كابول، تم تأكيد مقتل ما لا يقل عن شخصين من المسؤولين البارزين في حركة طالبان باكستان (TTP). من بين القتلى خالد محسود وسيف الدين، وهما من الشخصيات الهامة في الجماعة، في حين لا يزال وضع نورولي محسود غامضًا ولم يتم تأكيد صحة الملف الصوتي المنسوب إليه.
لم تتحمل إسلام آباد المسؤولية رسمياً عن هذه الهجمات، بل أشارت ضمنياً إلى القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) كمسؤولة عنها.
هذا النهج يحمل رسالتين واضحيتين: 1. يظهر هذا السلوك أن أفغانستان لا تزال واحدة من الأوراق الرئيسية في اللعبة الإقليمية لباكستان، وأن إسلام آباد تعتبر نفسها اللاعب الرئيسي والمحدد للتطورات في المنطقة. في الواقع، تسعى باكستان لإثبات أنه بدون دورها، لن يتم تشكيل نظام مستدام في أفغانستان.
2. تستخدم باكستان هذه الهجمات كرسالة غير مباشرة لتوحي بأن الولايات المتحدة توصلت إلى استنتاج يفيد بأن طالبان فشلت في السيطرة على الجماعات الإرهابية، بما في ذلك القاعدة وفروعها المرتبطة بها. ولهذا السبب، فإن سنتكوم مخول بالتدخل المباشر في الأراضي الأفغانية، وتلعب باكستان دور المنسق ضمن هذا الإطار. ومن الممكن أن تتوسع تدخلات سنتكوم في الشؤون الأفغانية عبر باكستان إلى أبعاد أخرى.
كما تحمل الهجمات الجوية الباكستانية رسالة واضحة لقادة طالبان. إذ توضح هذه الهجمات أن “سياسة الإقصاء الجسدي” لا تزال خياراً مطروحاً على طاولة إسلام آباد، وهو خيار قد يُفعل في حال خالفت طالبان الخطوط المحددة من قبل باكستان.
لا تعتبر باكستان هذا العمل تعدياً على دولة مجاورة، بل تراه نوعاً من “السيطرة الداخلية” على مجموعة تحت نفوذ وتصميم إسلام آباد تسيطر على الجغرافيا، وتتوقع إسلام آباد أن تبقى خاضعة لها.
بالطبع، تمتلك باكستان نفوذاً داخل طالبان يمكّنها من إبعاد المسؤولين المخالفين مباشرة، لكنها لا تسلك هذه الخطوة حالياً.
واحد من الأسباب الرئيسية وراء هذه السياسة هو محاولة باكستان للحد من موجة معاداة الحكومة بين القبائل البشتونية في باكستان.
تعلم إسلام آباد جيداً أنه للحد من الحرب الأهلية بين البشتون الباكستانيين، هناك حاجة لنقل المرجعية الدينية للبشتون خارج باكستان، ليمكن من خلالها إصدار فتاوى تحرم الجهاد في باكستان.
في هذا السياق، نُقلت المرجعية الدينية للبشتون من باكستان إلى قندهار، لكي تُوجَّه الحركة الدينية البشتونية في المسار الذي تريده باكستان.
يمكن تفسير إقصاء شخصيات مثل مولوي سميع الحق وابنه في هذا الإطار أيضاً؛ أي لمنع تشكيل مركز ديني بشتوني مستقل داخل باكستان وتركيزه في قندهار.
بالإضافة إلى ذلك، أنشأت باكستان حلقة من الشخصيات الدينية والفكرية التابعة لها داخل هيكل طالبان، بحيث إذا دعت الحاجة وتم استبعاد ملا هبة الله، لا يتعرض “المحور الديني” لأي تحديات ويكون هناك بديل جاهز.
ويُظهر بروز شخصيات مثل مولوي حكيم حقاني ومولوي إسلام جار والترويج المنظم حولهم دليلاً على هذا الاتجاه.
بجانب ما سبق، تسعى باكستان من خلال الهجمات الجوية الأخيرة لتحقيق أهداف إقليمية أخرى.
مع اقتراب إسلام آباد مجدداً من واشنطن ولعبها دور “حليف ضد الإرهاب”، فإنها في الواقع تُبعد نفسها عن محور موسكو-بكين-طهران.
يمكن لهذا أن يؤثر سلباً على مبادرات مثل صيغة موسكو أو مشاريع الصين في أفغانستان، كما يمكن أن يُلحق الضرر بالعلاقة بين إيران وطالبان.
أيضاً، تُعتبر الهند، التي رأت مؤخراً فرصة لتعزيز نفوذها داخل طالبان – وكان أمير خان متقي وزير خارجية طالبان في وقت الهجمات الباكستانية متواجداً في نيودلهي – تحدياً آخر لباكستان في المنطقة، وربما أرسلت الهجمات الجوية تحذيرات واضحة بهذا الخصوص إلى قندهار وكابول.
وفي هذا السياق، أفادت مصادر إخبارية مساء أمس بحدوث اشتباكات حدودية بين قوات طالبان والجيش الباكستاني في المناطق الحدودية بمحافظات كونر و ننكرهار وبكتيا.
كان هذا النزاع الحدودي رد فعل رمزي من طالبان على الهجوم الجوي الباكستاني، لكنه ليس له تأثير كبير على الظروف القائمة، وربما يكون مجرد فخ باكستان لتنفيذ عمليات أكبر ضد طالبان، خاصة إذا تمكنت باكستان من الادعاء بأنها بحاجة إلى دعم دولي ل”ضبط الإرهاب” في المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان، وعلى هذا الأساس تستدعي سنتكوم للمشاركة في الحرب.
سيد أحمد موسوي، مراسل




