لماذا أشعر بمسؤولية أكبر تجاه صون اسم “اللغة الفارسية”؟

في طفولتي وبين أقراني من ناطقي البشتو في قندهار، كنت معروفًا بلقب محمد نبي الفارسيوان، وهو لقب كان محببًا إلى نفسي. اسمي الكامل هو محمد نبي، وأُعرف بين أصدقائي في وسائل التواصل الاجتماعي بمحمد فقط. كلمة “فارسيوان” هي صيغة بديلة لكلمتي “ناطق بالفارسية” أو “فارسي اللسان”. الشيعة في ولاية قندهار يُعرفون بالفارسي اللسان أو الفارسيوان. منذ سنوات، كتبت في إحدى المقالات أن الفارسيي اللسان في قندهار يتألفون من السادة، القزلباش، الطاجيك، الهزارة، البلوش، وعدد آخر من المجموعات الاجتماعية التي وحدتها العقيدة الشيعية، واللغة الفارسية، والعادات والتقاليد المشتركة، مما جعل منهم مجموعة اجتماعية وقومية موحدة.
قبل نحو قرنين، أشار “منشي عبد الكريم علوي”، من طبقة الكتّاب والمؤرخين في شبه القارة الهندية، في كتابه “محاربة كابل وقندهار”، إلى مجموعتين اجتماعيتين في قندهار باسم “قوم الفارسيوان” و”قوم الأفغان”. وقد تناول في جزء من كتابه الذي يبدأ من الصفحة 14 الوضع الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي لفارسيي اللسان في قندهار. واعتبر منشي عبد الكريم في كتابه، الذي طُبع عام 1267 هجريًا (1850 ميلاديًا) في الهند، أن الفارسيوان في قندهار يشكّلون قومية قائمة بحد ذاتها ومذكورة بهذا الاسم في تاريخ المنطقة.
ولا يزال يُعرف الفارسيي اللسان في قندهار حتى اليوم بهذين الاسمين: فارسيوان وناطقين بالفارسية. ولم تعد الفارسية مجرد لغة لديهم، بل أصبحت جزءًا من هويتهم القومية والاجتماعية على مدار قرون. بمعنى آخر، لم تعد اللغة الفارسية مجرد وسيلة تواصل، بل صفة تُستخدم لوصف هذه المجموعة من الناس.
من هنا، فإن تحويل أو تغيير اسم “اللغة الفارسية” إلى لقبٍ آخر مثل “اللغة الدرية”، هو أمر لا يستند إلى أي أساس علمي أو تاريخي أو سوسيولوجي، ويُعد إجراءً سياسيًا، كما أنه يرتبط بصورة مباشرة بمحاولة تغيير الهوية الاجتماعية والقومية لشريحة كبيرة من سكان ولاية قندهار.
وبهذا الشرح، أرى نفسي، كعضو من مجتمع فارسيي اللسان في قندهار، مسؤولًا بشكل أكبر عن حماية اللغة الفارسية. فهي، إلى جانب كونها لغتي الأم، تشكل جزءًا لا يتجزأ من هويتي القومية والاجتماعية. وهذا هو الجواب عن السؤال الذي طرحته في عنوان هذا المقال. فأنا واللغة الفارسية كتلازم بين الموصوف وصفته، حيث ارتبطنا منذ الطفولة. وأي محاولة للفصل بيننا أو تغيير هذه العلاقة ستكون تشويهًا لهويتي الاجتماعية.
وهذا الأمر ينطبق أيضًا على اللغة البشتوية. إذ تُعرف اللغة البشتوية في بعض المصادر التاريخية باسم “لغة الروه”. ولكن إذا أراد شخص ما، لأي سبب كان، أن يغير اسم اللغة البشتوية إلى لغة الروه، فهل يصح هذا القرار علميًا واجتماعيًا؟ الجواب هو لا، لأن اللغة البشتوية أصبحت جزءًا راسخًا من هوية ناطقيها، ولا يمكن بحجج واهية ودون أسس علمية تغيير اسمها إلى الروه.
وفي نهاية المطاف، لست الوحيد الذي يشعر بالمسؤولية تجاه حماية اللغة الأم والهوية القومية؛ بل كل من يحب لغته الأم وهويته الاجتماعية يشعر بذلك. على أن يكون هذا الشعور خاليًا من الفخر المفرط والتعصب ضد الآخرين أو إنكار لغاتهم وهوياتهم، فحينها يكون أمرًا محمودًا. أما إن تطور الأمر إلى التفاخر بالقومية والعشيرة وحتى اللغة، فإنه يصبح أمرًا مذمومًا وغير مقبول.
✍️ محمد مرادي




