عودة جماعية للمهاجرين تفاقم الأزمات الاقتصادية في أفغانستان

تسبب موج واسع من عودة المهاجرين من إيران وباكستان خلال الأشهر الأخيرة في ضغط مباشر وسريع على الاقتصاد الأفغاني.
آلاف العائلات دخلت البلاد خالية الوفاض، ما أدى إلى تغييرات ملموسة في توازن سوق العمل، أسعار السلع، وظروف المعيشة.
تشير التحليلات إلى أن هذه الموجة لا تشكّل مجرد “أزمة إنسانية” للعائدين، بل تحوّلت إلى “تحدٍ اقتصادي شامل” أثّر على المدن والقرى على حد سواء.
🔹 صورة أوضح بالأرقام:
وفقاً لبيانات منظمة الهجرة الدولية (IOM)، تم طرد أو اضطُرَّ أكثر من 1.4 مليون شخص لمغادرة باكستان وإيران منذ مطلع عام 2025، فيما عاد البعض طوعياً نتيجة الضغط الاقتصادي والقيود القانونية.
يبين تقرير المنظمة أن 62% من العائدين دخلوا أفغانستان من دون أي مصدر دخل، و48% من دون مأوى. كثير من العائلات واجهت في الأيام الأولى نقصاً في الغذاء والسكن والعمل، واضطر كثيرون للاستدانة منذ بداية عودتهم.
ويُذكر أن الاقتصاد الأفغاني، وفق تقييم البنك الدولي، لا ينمو بأكثر من 1%، ما يجعل من هذه العودة الجماعية عبئاً ثقيلاً على السوق.
إضافة إلى ذلك، فإن تراجع المساعدات الأجنبية وتضرر الاقتصاد الداخلي ساهما في تفاقم الوضع، ما أدى إلى زيادة التفاوت الاجتماعي، ضغط على العمال المحليين، وارتفاع تكلفة المعيشة.
🔹 سوق العمل: منافسة شديدة وفرص أقل
يعاني سوق العمل الأفغاني أصلاً من ضيق الفرص، ويُقدَّر معدل البطالة الحقيقي لهذا العام بنحو 33%، حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).
دخول مئات الآلاف من القوى العاملة الجديدة إلى هذا السوق المحدود زاد من صعوبة الحصول على الوظائف.
العائدون ينخرطون في مهن مثل العمل اليومي، البناء، النقل، والخدمات الصغيرة والزراعة، وهي نفس المجالات التي يعتمد عليها السكان المحليون.
في ظل تجاوز عدد الباحثين عن عمل للفرص المتاحة، تنخفض الأجور أو تظل ثابتة. وتشير تقارير ميدانية إلى أن العديد من العمال باتوا يقبلون بأجور أقل أو ظروف عمل أقسى، فيما تضطر أسر عديدة لإرسال النساء والأطفال إلى سوق العمل غير الرسمي.
وغالباً ما يكون العائدون غير المهرة القادمين من إيران وباكستان آخر من يُوظف.
🔹 نماذج ميدانية وتغيّر الأجور:
• في ننگرهار، انخفض أجر يوم العمل في البناء من 350 إلى 250-300 أفغاني.
• في قندهار، تضاعف عدد المتقدمين لأعمال النقل اليدوي، ما أتاح لأرباب العمل تخفيض الأجور.
• كثير من العائدين الذين مارسوا أعمالاً بسيطة في الخارج يُستبعدون من أولويات التوظيف.
يقول خبير في سوق العمل بكابل لصحيفة دويتشه فيله: “عدد طالبي العمل يفوق قدرة الاقتصاد الأفغاني، وهذا يخلق صدمة مفاجئة ويؤدي إلى بقاء الأجور منخفضة على المدى القصير”.
🔹 تأثير على الأسعار: ارتفاع الطلب مقابل محدودية الموارد
لم يقتصر تأثير العودة الجماعية على سوق العمل فقط، بل تسبب أيضاً في ارتفاع ملحوظ بأسعار السلع الأساسية.
في المناطق التي استقبلت عددًا كبيرًا من العائدين، ارتفعت بسرعة أسعار المواد الغذائية، الوقود، الطحين، الأرز، الزيت، إيجارات المنازل بل وحتى مياه الشرب.
بحسب تقارير وزارة اقتصاد حركة طالبان، فإن الولايات الأكثر تضرراً مثل ننگرهار، فراه، نيمروز، وقندهار، شهدت الزيادات التالية في الأسعار خلال الأشهر الثلاثة الماضية:
• الطحين: زيادة بين 10 إلى 18٪
• الزيت: زيادة بين 8 إلى 12٪
• الأرز: زيادة بنسبة 7٪
• إيجارات المنازل في المدن الحدودية: زيادة بين 15 إلى 30٪
ويعود ذلك إلى:
• زيادة الطلب على السلع
• محدودية الواردات والمخزون
• تراجع المساعدات الأجنبية بنسبة 40٪ مقارنة بعامين سابقين
وأكدت تقارير المنظمات الإغاثية أن غالبية العائدين يكتفون بوجبتين في اليوم أو اضطروا لحذف وجبات.
كما أدى تراجع المساعدات إلى ضعف توفير الأغذية المدعومة، وبالتالي لم تُسهم المساعدات الطارئة في كبح الأسعار.
🔹 روايات من الميدان:
تفيد تقارير من المعابر الحدودية تورخم وسبين بولدك بأن كثيراً من العائدين لم يجدوا مأوى أو مالاً كافياً لشراء الطعام.
تروي عائلة مكونة من 5 أفراد عادت من إيران أن دخل الأب انخفض من 500 ألف تومان إيراني يومياً إلى 250 أفغاني فقط، ما اضطرهم لبيع أثاثهم لتأمين المعيشة لشهر.
في سبين بولدك، أفادت نساء بأنهن أرسلن أطفالهن لأداء أعمال خفيفة لتوفير الطعام.
وتنام بعض الأسر في العراء أو خيام مؤقتة، وذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من 45% من العائدين لا يملكون “مأوى مناسبًا”.
🔹 ردود الفعل الحكومية والمؤسساتية:
حاولت حكومة طالبان تقليل الضغط من خلال برامج مؤقتة للتوظيف، والتفاوض مع دول لتصدير عمالة؛ إلا أن هذه المبادرات بطيئة ومحدودة، ولا تُلبي سوى 10 إلى 15٪ من الاحتياجات، بحسب البنك الدولي.
بدورها، أطلقت منظمات مثل IOM وUNHCR وUNDP برامج لمساعدة العائدين، من تسجيل البيانات إلى توزيع مساعدات نقدية مؤقتة، ولكن الموارد المحدودة تتطلب دعماً دولياً أكبر.
🔹 الآثار الاقتصادية والاجتماعية:
إذا لم يُعالج الوضع بشكل مناسب، فقد يؤدي إلى نتائج متفاقمة خلال الأشهر المقبلة:
• ارتفاع البطالة واللجوء إلى أعمال غير رسمية
• استمرار أو انخفاض أكبر في الأجور
• ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإيجارات
• تراكم ديون العائلات
• عودة الشباب للهجرة غير النظامية
• تفاقم التوترات الاجتماعية بالمناطق المكتظة
تشير التحليلات إلى أن الاقتصاد الأفغاني غير قادر وحده على امتصاص هذا الكم من الضغط، ما يتطلب تخطيطاً منسقًا لإدارة هذا التحدي الديمغرافي.
🔹 خلاصة:
وضع موج العودة في عام 2025 الاقتصاد الأفغاني في موقف هش، مع تصاعد الضغط على سوق العمل، ارتفاع الأسعار، محدودية الموارد، وتراجع المساعدات الدولية.
ويتطلب التعامل مع هذا الوضع تخطيطاً متوسط الأمد، وفرص عمل سريعة، تحسين سلاسل التوريد، وزيادة التنسيق بين الحكومة والمؤسسات الدولية.
وإذا لم يُسيطر على هذا المسار، فقد تتجاوز تداعياته الاقتصاد لتتسبب بأزمة اجتماعية كبرى في الأشهر المقبلة.
✍🏻 سيد مصطفی موسوي


